تستطلع دار الافتاء المصرية هلال شهر محرم لعام 1447 هجرياً وتحديد رأس السنة الهجرية 2025 ، بعد غروب شمس يوم الأربعاء الموافق 25 يونيو الجارى، وأكدت "الإفتاء" أن الرؤية الشرعية للهلال تتم يوم 29 من كل شهر هجرى ولا يتم معرفة نتيجة الرؤية الشرعية قبل هذا اليوم.
حكم الاعتماد على الحساب الفلكي في رؤية الهلال وبيان معنى التقدير في حالة تعذر رؤية الهلالتَثبُت بداية الشهر القمري برؤية الهلال، ويُستطلع بغروب شمس يوم التاسع والعشرين مِن الشهر السابق عليه، فإذا رؤي الهلال فقد بدأ الشهر الجديد، وإذا لَم يُرَ فالواجب حينئذٍ إكمال الشهر ثلاثين يومًا إذا كانت السماء صافية، ولَم تكن هناك علةٌ تَمنع رؤية الهلال مِن غَيْمٍ ونحوه، أما إذا كان هناك ما يَمنع رؤية الهلال، فقد اختلف الفقهاءُ في تقدير عدة أيام الشهر ثلاثين يومًا أو تسعة وعشرين يومًا، والسبب في ذلك: اختلافُهم في معنى التقدير الوارد في قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم في خصوص شهر رمضان: «لَا تَصُومُوا حَتَّى تَرَوُا الْهِلَالَ، وَلَا تُفْطِرُوا حَتَّى تَرَوْهُ، فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَاقْدُرُوا لَهُ» متفقٌ عليه مِن حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، واللفظ للإمام البخاري، وفي رواية الإمام مسلم: «الشَّهْرُ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ، فَإِذَا رَأَيْتُمُ الْهِلَالَ فَصُومُوا، وَإِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَأَفْطِرُوا، فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَاقْدِرُوا لَهُ».
وقد ذهب جمهور الفقهاء مِن الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة إلى أن معنى التقدير في الحديث الشريف السالف ذكره، أي: قدِّروا له تمام العدد ثلاثين يومًا؛ لأن الأصلَ بقاءُ الشهر وكمالُه، فلا يُترَك الأصلُ إلا بيقين، ومِن المقرر شرعًا أنَّ "اليقين لا يزول بالشك"، فإذا حال غَيْمٌ بين الناس وبين رؤيتهم الهلالَ الجديدَ عُدَّ ثلاثين يومًا منذ رؤية الهلال السابق له.
واحتج الجمهور على أنَّ إكمالَ العدة ثلاثين يومًا هو المرادُ مِن قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «فَاقْدِرُوا لَهُ» بما جاء عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «الشَّهْرُ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ لَيْلَةً، فَلَا تَصُومُوا حَتَّى تَرَوْهُ، فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا الْعِدَّةَ ثَلَاثِينَ» أخرجه الإمام البخاري في "صحيحه".
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إِذَا رَأَيْتُمُ الْهِلَالَ فَصُومُوا، وَإِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَأَفْطِرُوا، فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَصُومُوا ثَلَاثِينَ يَوْمًا» أخرجه الإمام مسلم في "صحيحه".
ومنازل القمر: هي المواقع التي يَظهر القمرُ في جِهَتِهَا كلَّ ليلةٍ مِن الشهر، وهي ثمانٌ وعشرون منزلةً على عدد ليالي الشهر القمري، وقد جعل الله سبحانه وتعالى للقمر منازل حتى يُيَسِّر على الناس معرفةَ الأيام بكلِّ منزلٍ منها، وحسابَ الشهور بتمام المنازل كلِّها واجتماع القمر فيها، وحسابَ السنين بحصول كلِّ سنةٍ باجتماع القمر اثْنَتَيْ عشرة مَرَّة.
بل جعل الإمامان: ابنُ دقيق العيد، وابنُ المُلَقِّن السببَ الشرعي لثبوت الشهر هو طلوع الهلال مِن الأفق بحيث يُرَى بالعين البَصَرية في الظروف الطبيعية إذا الْتَمَسَ الناسُ رُؤيَتَهُ.
واستَدَلَّا على ذلك باتفاق الفقهاء على وجوب الصوم في حق المحبوس في المَطْمُورَة إذا اجتَهَد بالأمارات وعَلِمَ أنَّ ذلك اليومَ مِن رمضان وإنْ لَمْ يَرَ الهلالَ ولَم يُخْبِرْهُ مَن رآه، ولذلك نَصَّا على وجوب اتباع الحساب الشرعي إذا دل هذا الحسابُ على أن الهلال قد طَلَع مِن الأفق على وَجْهٍ بحيث يمكن أن يُرَى لولا وجود المانِع مِن غَيْمٍ أو نحو ذلك.
قال الإمام ابن دقيق العيد في "إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام" : [إذا دل الحساب على أن الهلال قد طلع مِن الأفق على وَجْهٍ يُرَى لولا وجود المانِع كالغيم مثلًا، فهذا يقتضي الوجوب؛ لوجود السبب الشرعي، وليس حقيقة الرؤية بشرطٍ مِن اللزوم؛ لأن الاتفاق على أن المحبوس في المطمورة إذا عَلِمَ بإكمال العدة، أو بالاجتهاد بالأمارات، أن اليوم مِن رمضان، وجب عليه الصوم وإن لَمْ يَرَ الهلال ولا أَخبَرَه مَن رآه] اهـ.
وقال الإمام سراج الدين ابن المُلَقِّن في "التوضيح لشرح الجامع الصحيح" : [والحق أن الحساب لا يجوز الاعتماد عليه في الصوم، وإنما إذا دلَّ الحساب عَلَى أن الهلال قد طلع مِن الأفق عَلَى وَجْهٍ يُرَى لولا وجود المانع كالغيم مثلًا، فهذا قد يقتضي الوجوب؛ لوجود السبب الشرعي، وليس حقيقة الرؤية مشترطة في اللزوم؛ فإنَّ الاتفاق عَلَى أن المحبوس في المطمورة إذا عَلِمَ بإكمال العدد أو بالاجتهاد أن اليوم مِن رمضان، وجب عليه الصوم وإن لَمْ يَرَ الهلالَ ولا أَخبَرَه مَن رآه] اهـ.
وقد رجح الشيخ الإمام محمد بخيت المُطِيعِي -مفتي الديار المصرية الأسبق- جوازَ العملِ بالحساب الشرعي في إثبات أول الشهر إذا غُمَّ الهلالُ بسبب الغَيْم واسْتَشْكَلَ على الناس معرفةُ أوَّل الشهر، معللًا ذلك بأن علماء الحساب الشرعي هُم أهل الخبرة في ذلك، والفقهاء قديمًا وحديثًا يرجعون إلى أهل الاختصاص في كلِّ ما يُشْكِلُ عليهم، فيُرجِعُون القولَ بالفطر في رمضان للمريض إلى الطبيب، ويُرجِعُون توضيحَ معاني ألفاظ القرآن والحديث إلى أهل اللغة، وغير ذلك كثير، فلماذا لا يُرجَع عند الإشكال في رؤية الهلال إلى أهل الحساب، خاصةً وهو عِلْمٌ له مقدِّماتٌ قطعيَّةٌ وثابتةٌ متوافقةٌ مع صريح قول الحق سبحانه وتعالى في غير مَوْضِعٍ مِن آيات القرآن الكريم، وذلك في نحو قول الله سبحانه وتعالى: ﴿وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ﴾ [يس: 39]، وقوله تبارك وتعالى: ﴿هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ﴾ [يونس: 5].
قال الشيخ الإمام محمد بخيت المُطِيعِي في "إرشاد أهل الملة إلى إثبات الأهلة" (ص: 259، ط. مطبعة كردستان العلمية): [ومما يرجح القول بالعمل بالحساب الصحيح: أنَّ أهل الشرع مِن الفقهاء وغيرهم يَرجعون في كلِّ حادثة إلى أهل الخبرة وذوي البصيرة فيها، فإنهم يأخذون بقول أهل اللغة في معاني ألفاظ القرآن والحديث، وبقول الطبيب في إفطار شهر رمضان، وغير ذلك كثير، فما الذي يمنع مِن بِنَاءِ إكمال شعبان ورمضان وغيرهما مِن الأشهر على الحساب، والرجوع في ذلك إلى أهل الخبرة والعارفين به إذا أَشْكَلَ علينا الأمرُ في ذلك، مع كون مقدِّماته قَطْعِيَّةً وموافِقَةً لِمَا نَطَقَت به آياتُ القرآن الكريم] اهـ.
وممَّا يدل أيضًا على جواز الاعتماد على الحساب الفلكي في بيان أول الشهر وآخره إذا غُم الهلالُ على الرَّائِين: ما نص عليه الشافعيةُ في قولٍ مِن جواز الصوم للحاسب الذي عَرَفَ - بِعِلْمِهِ الحسابَ الفلكي ومعرفتِهِ له- طلوعَ الهلال مِن الأفق ولكن مَنَعَ مِن رؤيتِه مانِعٌ، وكذلك الحُكمُ في حق مَن يُصَدِّقُهُ في ذلك، حيث يجوز له أن يصوم تبعًا لهذا الإخبار المبني على الحساب؛ لأن سبب الصوم قد حصل في حقهما بغلبة الظن، وقد تقرر في قواعد الشرع الشريف أنَّ "الْمَظِنَّةَ تَقُومُ مَقَامَ الْمَئِنَّةِ" -كما في "حاشية الإمام شهاب الدين ابن القاسم العَبَّادِي على الغرر البهية" - وإن اختلف الفقهاءُ في نطاق تطبيق هذه القاعدة، و"المئنة": الشيءُ المتحقِّقُ، فإذا أفاد الحسابُ الفلكي في زماننا -في ظل ما نراه مِن تقدُّمٍ في هذا العِلم وتَطَوُّرِ وسائلِهِ- طلوعَ الهلال في الأفق على وجهٍ هو أقرب إلى اليقين، كان الأخذ به على هذا القول أَوْلَى.
والقول بجواز الاعتماد على الحساب الفلكي إذا غُمَّ الهلال، مقتضاه: أن رؤية الهلال ليست معتبرة لذاتها، وإنما هي وسيلة للدلالة على طلوع الهلال في الأفق، فمتى ثبت أن الهلال قد طلع في الأفق بأيِّ وسيلة قطعية مفيدة لليقين في ذلك، فإنه يثبت بذلك بيان أول الشهر، ويستدل على ذلك -وهو كون الرؤية وسيلة للدلالة على طلوع الهلال- بما ذهب إليه فقهاء الحنابلة مِن استحباب ترائي الهلال ليلة الثلاثين، كما في "المغني" للإمام ابن قُدَامَة (3/ 106، ط. مكتبة القاهرة)، إذ لو كان ترائي الهلال واستطلاعه واجبًا لذاته لاتفقت كلمة الفقهاء على وجوب الاستطلاع، وإنما كان قول الجمهور بوجوب استطلاع الهلال؛ لكونه يُتَوَصَّل به إلى فِعلِ واجبٍ وهو الصوم، ومِن المقرر شرعًا أنَّ "مَا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إلَّا بِهِ فَهُوَ وَاجِبٌ"، كما في "الأشباه والنظائر" للإمام تاج الدين السُّبْكِي (2/ 88، ط. دار الكتب العلمية).
كما أن الصوم يجب على جميع المسلمين بمجرد العلم بوجود الهلال، ولا يجب عليهم جميعًا رؤيته، فدلَّ ذلك على أن رؤيةَ الهلال وسيلةٌ لثبوت الشهر لا غايةٌ لوجوب الصوم، فلو كانت واجبةً لوَجَب على كلِّ مسلم التحققُ مِن رؤية الهلال، وهذا غير مطلوب، بل إنَّ الصوم يجب على مَن عَلِمَ دخولَ الشهر بأيِّ طريقةٍ تُفيد تَيَقُّنَ دخول الشهر.
والحسابات الفلكية الدقيقة في عصرنا الحالي بما يُعتمد عليه فيها مِن أجهزة متطورة لرصد حركة القمر وبيان منازله بدقةٍ متناهية تصل إلى تحديدها بالثانية وجزءِ الثانية -تفيد على هذا النحو اليقينَ في بيان حركة القمر ووقت ظهور الهلال ومدة مكثه في السماء بعد ظهوره في كلِّ يوم، ولذلك يمكن الاعتماد عليها في تحديد بداية الشهر ونهايته، وهذا في البلاد التي يصعب فيها ترائي الهلال، سواء كان ذلك لكثرة الغيم، أو لقلة عدد المسلمين، أو عدم وجود مَن يقوم باستطلاع الهلال كما هو الحال في بعض البلاد الأوروبية، إذ التشدد في وجوب رؤية الهلال عندهم حينئذٍ يُفضي إلى ضياع كثيرٍ مِن العبادات.
ولكن يلزم التنبيه إلى أن الحاسب الفلكي لا بد أن يكون حاذقًا ماهرًا في علمه ومتقنًا له؛ حتى يفيد اليقين في حساباته، وفي إعلانه لوقت خروج الهلال وميلاده، ومدة مكثه في السماء، ونحو ذلك، وهذا ما يتوفر في المعاهد الفلكية المخصصة بذلك؛ لأن القرار فيها لا يكون مبنيًّا على دراسةِ شخصٍ واحدٍ، بل على دراساتٍ متعددةٍ مِن مجموعةٍ مِن العلماء، مما يقرر عدم اجتماعهم على خطأ.
ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة اليوم السابع ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من اليوم السابع ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.
انتبه: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة مصر اليوم ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من مصر اليوم ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.