ومَنْ يُشغل دولته، بخلق أزمات داخلية، (عدوّ) كونه يمنح الخصوم فرصة ذهبيةً للاصطفاف ضدها، وتأجيج الخِلاف بين أهلها، لتمزيق جسدها، أو تفكيكه، أو تدمير مشروعها، أو تعطيل تنميتها، والشواهد ماثلة للعيان في سابق الزمان وراهنه.
ليس هناك دولة قامت أو توحدّت أو استقلّت لتأدية مهمة (إخافة مواطنيها) أو إرهاب ساكنيها، بل مقصد الشرع، وغاية القانون أن تكون الدولة ملاذاً للخائفين، وملجأً للمتشوّفين أمناً وعدلاً، وحصناً حصيناً في وجه الطامعين، ولا يمكن تصوّر دولة، بالمعنى الحضاري، للمصطلح، تتبنى آليات الرُعب، وافتراض (الدولة المُرعبة) دليل نقص الوعي بدور وتاريخ دولة القانون.
يحرص المواطن، (الواعي بمنجز وطنه)، على تحقيق شروط مواطنته، والوفاء بالتزامات انتمائه، وتغليب المصالح العليا على (الأجندات الخاصة)، التي يسعى البعض لتحقيقها، وإن تصادمت مع الواقع والشرع والنظام.
ويُعيد فقه المقاصد، ترتيب أولويات العقل، ويتيح له مساحةً لعقد مقاربات بين ما قبل الدولة، وما بعدها، والمقارنة بين عدد الضحايا قبل قيام الدُّول، وبعدها، وعدد المرضى، وعدد حالات الظلم، والأذى، والتهجير، وتطاول الحاقدين، وبالمنطق المحايد، يتعذّر على الكائن البشري الاستمرار في نمط حياة بدائي أو عبثي (حرب الجميع ضد الجميع)، الذي لا يمكن معه الحفاظ على حياة، ولا إنجاز عمل مثمر.
ضحّى الإنسان تاريخياً، ببعض حقوقه، لتنتظم حياته داخل مؤسسة يحكم علاقته بها (عقد اجتماعي)، به يقوم المجتمع، ويتوفّر للكيانات والمكونات السِّلم والأمان، ويتمكّن المواطن من العمل والكسب، في ظل أكبر وأغلى مكتسب (الوطن).
ومن الأمثال الساكنة في الوجدان (يد ما تسرق ما تخاف)، وللمثل تجليّات وتطبيقات أوسع، فالمواطن الذي لم يَخُن، ولم يفسد، ولم يتآمر، ولم يقامر بمواطنته، ولم تضعف ذمته؛ لا يخاف إلا خالقه، ولا يخشى إلا الله وتأنيب ضميره، طالما أنه لم يرتكب جنحةً أو جريمة أو تخابر أو تآمر.
تراعي الدولة (العام)، ولا تتغوّل على (الخاص)، وما يعود بالنفع العام قد لا يعود بنفع خاص، وليس من أدبيات الدولة الوطنية؛ إعلاء شأن خاص على عام، وإن استند لمرجعية قَبليّة، أو مذهبية، أو طائفية، أو أيدلوجية.
ولا تقبل الشعوب المُتحضّرة (منظومة) تُخل بأمنها، أو تزعزع ثوابتها، أو تثير حساسيات ونعرات، كما أنها لا تُتيح ولا تسمح لمجموعات أو جماعات أو أفراد التدخل في ما لا يعنيهم من السياسات والقرارات، كون ذلك من الافتئات المُحرّم، والخروج المُجرّم.
تُعدُّ الحِقبة التي عشقها البعض، ولا يزال يترنّم بذكرياتها، ويتغنى بمنجزاتها (من أخطر الحقب)، التي مرّت بنا، والمؤشرات والمعطيات والإحصائيات تؤكد أنها حقبة فساد، بامتياز؛ استغلها الحزبي والمذهبي والطائفي عبر تقاطع مصالحه مع الإداري، لفرض سلطته، وخلخلة كيان الوطن، وتشويه سمعة الدولة، لإفقاد الناس ثقتهم بالدولة.
ولو عُدنا إلى ما يُسمى بعصور مُظلمة، لظهر لنا أن سبب الظلامية، يعود إلى تعدد السُّلطات، (سُلطة رجال دِين، سُلطة تجار، سُلطة وجهاء، سُلطة نساء، سُلطة دخلاء) وهذا ما مزّق الملتئم، وشتّت المُوحّد، وليس بالوعظ والغوغائية تُصان الدماء، وتُحفظ الأعراض والأموال بل بالتشريعات وتطبيقاتها الحاسمة.
ويذهب بعضُ الغارقين في الخطابات المؤدلجة إلى أنهم يخافون على الدولة من الإصلاح، ويخشون على الكيان من الانفتاح، وهذه كِذبة مكشوفة، فالخوف على الدولة لا يبرر الكيد لها، ولا إشاعة الأباطيل عنها، ولا تلقُف تطاول الساقطين عليها، فالوطن جزء من العقيدة التي يرفض المُعتقد المساس بها.
وما يشيعه البعض عن دولة مُخيفة، هو خوف (النَزِق) الذي استمرأ إقحام نفسه فيما ليس من اختصاصه، علماً بأنه يردد (مِنْ حُسنِ إسلام المرء تركه ما لا يعنيه) فيستظل بالتشويش، على ما ومَنْ حجّم نفوذه المنتمي لأفكار مناهضة للوطن، ومعادية للنظام.
يساوم معتنقو فراغ الأفكار، بفكرة فارغة، ويضيعون أوقاتهم فيما يتوهمونه أوراق ضغط على مشروع، لا يمكنه استيعابهم في حداثته بتقليديتهم، ولا احتضانهم في تقدمه برجعيتهم، فهذا عند المناطقة من اجتماع الضدّين، واجتماع الضّدين في وقت أو وضع واحد مُحال.
يظل الفرد داخل كيان الدولة، مسؤولاً عن إصلاح نفسه، بما يراه مناسباً لحاله، من تشدّد أو تزمّت أو اعتدال، (على مستوى العبادات)، وما عدا ذلك مما هو خارج الذات من التعاملات والعلاقات، والسلوكيات مسؤولية دولة، ومؤسسات، تكفل بهيبتها وعُمق كينونتها سيرورة المجتمع الآمن، وما يقع من الأخطاء والزلات والهفوات تعالجها التشريعات وتطبيق الأنظمة بصرامة على المُغالي، والجافي.
لم يضع المنتمون للإخوان والسرورية والمتعاطفون معهم (في اعتبارهم) أن الزمن لن يلعب في صالحهم، وأن عامل الأرض أقوى من مهارات اللاعبين، وأبقى من صراخ الجماهير، ومَنْ لم يتكيّف مع ربيعه الوطني، ولم يُحسن استقباله، سيجتاحه خريف الغضب، وتتخطاه المراحل، فيتعب وهو يطارد المستقبل بخيالات وأوهام الماضي.
من يخاف الله حق مخافته، ويخشاه ويتقيه، لا يخافُ دولته، بل يخافُ عليها، فيوقّرها، ويدعو لها بالحفظ، ولقادتها بالتوفيق لكل خير، ويذبُّ عنها شائن القول والفعل والظن السيئ، شأن العلماء الأتقياء الأجلّاء، الذين هم بقية القدوة الصالحة والأسوة الحسنة.
ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة عكاظ ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من عكاظ ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.