في كل مرة تُعزف فيها أنغام "سواح" أو "أنساك" أو "حكايتي مع الزمان"، يعود بليغ حمدي، ليس كموسيقار في ذاكرة الموسيقى فحسب، بل كروحٍ تسكن اللحن وتمنحه حياةً لا تهرم.
لم يكن بليغ مجرد ملحنٍ عبقري، بل كان عاشقًا للحياة، يحوّل المشاعر إلى نغمات، والوطن إلى أغنية خالدة، وهو ما يمكن لمسه عبر ذاكرة فنية ووطنية لا تغيب عنها ألحان "بليغ".
ميلاد بليغ حمدي في 7 أكتوبر 1931، وهو التاريخ الذي يتزامن مع احتفالات انتصار مصر العظيم.
لم يكن الرابط الوحيد بين بليغ حمدي وتجسيد الروح الوطنية، إذ ارتبطت ألحانه باللحظات الحاسمة في تاريخ مصر، وعلى رأسها نصر أكتوبر العظيم، فمن "البندقية اتكلمت" إلى "عدّى النهار" و"عاش اللي قال"، كانت ألحانه تردد أنشودة الفخر والانتصار، كما لو كانت تعبيرًا موسيقيًا عن النصر، ورصدًا لمشاعر الألم والأمل في أعمال موسيقية لا تزال تمثل ذاكرة المستمع الفنية وتترك أصداءها في وجدان الشعب المصري.
موهبة خلقت لتبقى
في بيتٍ مصري عاشق للفن والموسيقى نشأت موهبته، فتعلّق بالعود وهو لم يتجاوز التاسعة من عمره، قبل أن يلتحق بمعهد فؤاد الأول للموسيقى (الكونسرفاتوار حاليًا) حيث صقل موهبته بالعلم. ومنذ خطواته الأولى، بدا واضحًا أنه ليس ملحنًا تقليديًا، بل حالة متدفقة من الإبداع، تجمع بين الأصالة والتمرد، وبين روح الشرق وحيوية الحداثة.
غيّر وجه الأغنية العربية
عُرف بليغ حمدي كملحنٍ عاشقٍ للموسيقى والإنسان، وكسر كل القوالب التي سادت زمنه دون أن يتخلى عن النكهة الشرقية الأصيلة.
لم يكن يسعى وراء الشهرة بقدر ما كان يسعى وراء الخلود الفني، فكانت ألحانه مرايا تعكس وجدان الأمة ومشاعرها.
تعاون مع كوكب الشرق أم كلثوم، التي رأت فيه طاقة متفجرة من التجديد، فغنت له روائع مثل "أنساك" و"حب إيه" و"بعيد عنك"، وكان أصغر من لحن لها في تاريخها الطويل.
ومع العندليب عبد الحليم حافظ، وُلدت ألحان خالدة لا تزال تنبض بالحياة مثل "سواح" و"زي الهوى" و"موعود"، التي اختلطت بذاكرة الناس لتصبح جزءًا من وجدانهم العاطفي والوطني في آنٍ واحد.
صوت الوطن والمقاومة
كانت موسيقى بليغ صوت الجندي على المدفعية ولسان حال الرجل البسيط في الشارع، إذ لم تكن مجرد ألحانٍ للعاطفة، بل كانت سلاحًا في معركة الوعي والكرامة، ففي أعقاب حرب الاستنزاف عام 1967، لحّن أغنية "عدّى النهار" لعبد الحليم حافظ، لتصبح واحدة من الأغنيات التي تنبأت بالنصر لاحقًا، ورمزًا لقدرة المصريين على النهوض من الرماد.
كما صنع بألحانه أعمالًا خالدة في قلوب المصريين مثل "بسم الله"، و"على الربابة"، و"حلوة بلادي السمرا بلادي" وغيرها الكثير ليشكل وجدان الشعب المصري بأعماله الخالدة.
وبعد أكتوبر المجيد، عزف بليغ على أوتار النصر بأغانٍ خالدة مثل "البندقية اتكلمت" و"عاش اللي قال"، التي حركت مشاعر الجماهير وأعادت إليهم فخر الانتصار. في تلك المرحلة، لم يكن بليغ مجرد ملحن، بل كان مؤرخًا موسيقيًا للوجدان المصري والعربي.
حب وردة
على مدار زواجه من الفنانة وردة الجزائرية، قدّم الثنائي واحدة من أنجح التجارب الغنائية في تاريخ الطرب العربي، إذ غنت من ألحانه أجمل أغنياتها: "العيون السود"، "خليك هنا"، "حكايتي مع الزمان"، "اسمعوني"، "حنين" و"دندنة".
كان الحب بينهما لغة موسيقية بليغة، فيها شجن وولع وصدق لا يعرفه إلا من عاش الموسيقى كما عاشها بليغ.
ملك الموسيقى
تعاون بليغ مع عمالقة الطرب من كل الأجيال: فايزة أحمد، شادية، نجاة الصغيرة، صباح، ميادة الحناوي، عزيزة جلال، محمد رشدي، علي الحجار، هاني شاكر، سميرة سعيد، لطيفة وغيرهم.
وتنوعت ألحانه بين العاطفية والوطنية والقصائد الدينية وحتى أغاني الأطفال، لكنه ظل مخلصًا لجوهر واحد: البساطة التي تسكن القلب.
ومن أشهر ما قدم في المجال الروحي، ألحانه للشيخ سيد النقشبندي، وعلى رأسها "مولاي"، التي أصبحت نشيدًا روحانيًا خالدًا.
لم يكتف بليغ حمدي بكل ما قدمه، بل وضع بصمته على المسرح والسينما والدراما التلفزيونية والإذاعية بأعماله الموسيقية الخالدة، فكانت موسيقاه روحًا تسرى في العمل لتعطي له قيمة إبداعية مضافة، ليقدم موسيقى تصويرية لأعمال مثل "ريال وسكنية" و"واحنا بتوع الأتوبيس" و"أبناء الصمت" و"شيء من الخوف" و"أفواه وأرانب" وغيرها الكثير.
إرث لا يشيخ
رحل بليغ حمدي في 12 سبتمبر 1993 عن عمر ناهز 62 عامًا، لكن إرثه لا يزال يرفرف فوق سماء الطرب العربي. أكثر من ألف لحنٍ تركها لتروي حكاية عبقريٍ لم يعرف الحدود بين المقام والوجدان، بين الوطن والحب.
في ذكرى ميلاده، ونحن نحتفل بذكرى نصر أكتوبر، نستعيد بليغ حمدي كرمزٍ لجيلٍ آمن بأن الموسيقى يمكن أن تكون وطنًا، وأن اللحن الصادق لا يموت.
بليغ لم يكن فقط موسيقارًا.. كان ذاكرةً موسيقيةً للأمة، وميلاده في يوم الانتصار ليس مصادفة، بل تذكير دائم بأن الإبداع الحقيقي هو وجه آخر للوطنية، وأن بليغ سيبقى نغمة خالدة في سجل مصر والعروبة.
ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة الحكاية ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من الحكاية ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.
انتبه: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة مصر اليوم ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من مصر اليوم ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.