ووصف سياسيون ومراقبون تأجيل القمة الفرنكوفونية إلى العام القادم بالانتكاسة الحقيقة للدبلوماسية التونسية التي فشلت في تطويق حالة الغضب الدولي من التدابير الاستثنائية التي أعلن عنها الرئيس التونسي قيس سعيد إبان 25 يوليو/ تموز المنقضي، بينما اعتبرها آخرون فرصة لتونس لتدارك التأخر على المستوى التنظيمي وحشد عدد أكبر من الوفود الدولية المشاركة في القمة.
وأعلنت أمس كل من الخارجية التونسية والمنظمة الدولية للناطقين باللغة الفرنسية عن تأجيل القمة الفرنكوفونية إلى العام القادم مع المحافظة على مكان انعقادها في جزية جربة (الجنوب التونسي).
وأرجعت المنظمة الفرنكوفونية قرار التأجيل إلى الظروف الصحية الناجمة عن جائحة كورونا، مشيرة إلى أن التأجيل "سيتيح للحكومة التونسية أن تكون قادرة على تنظيم القمة في ظروف أفضل".
من جهتها، أوردت وزارة الخارجية التونسية في بيان لها أن ممثلي الدول الأعضاء اتفقوا على احتضان تونس لهذه القمة وتأجيل موعد انعقادها بجزيرة جربة إلى سنة 2022، "من أجل تأمين مشاركة حضورية واسعة وعلى أعلى مستوى وعدم الاضطرار إلى عقدها عن بعد".
خيبة دبلوماسية
ورأى الأمين العام للحزب الجمهوري عصام الشابي في حديثه لـ "سبوتنيك"، أن قرار الإعلان عن تأجيل القمة الفرنكوفونية إلى العام القادم هو خيبة دبلوماسية غير مسبوقة للدولة التونسية تؤكد العزلة الدبلوماسية التي باتت عليها البلاد نتيجة الأزمة السياسية والدستورية الخانقة.
وأضاف "من الواضح أن القضية ليست قضية عدم استعداد لوجيستي والدليل على ذلك الكلمة التي ألقاها رئيس الجمهورية عند تنصيب الحكومة والتي قال فيها إن تونس جاهزة من كل النواحي لاحتضان القمة، وإشارته في المقابل إلى حديث المجتمع الدولي عن حالة عدم الاستقرار التي تعيشها البلاد".
وقال الشابي إن رئيس الجمهورية كان على علم بتأجيل القمة وبارتباط ذلك بالمواقف الدولية تجاه ما يحدث في تونس، خاصة وأن الأمينة العامة للقمة عند زيارتها الأخيرة إلى تونس تحدثت عن المسار السياسي، فضلا عن تصريحات وزير خارجية كندا والرئيس الشرفي للقمة الفرنكوفونية التي اعتبرا فيها أن الفرنكوفونية التي تبنت قيم الديمقراطية وقيم الإنسان والدفاع عن الحريات العامة والفردية لا يمكن أن تعقد قمتها في بلد يشكو من تعليق الدستور ومن انحراف عن مسار الديمقراطية.
واعتبر الشابي أن تأجيل انعقاد القمة الفرنكوفونية هو أحد أوجه تدويل الأزمة التونسية ودليل على أن الأزمة الداخلية أصبحت إحدى الملفات الدولية التي تتداول ليس فقط في اللقاءات الثنائية بين تونس والدول الأجنبية وإنما أيضا في لقاءات الأطراف الخارجية فيما بينها.
وفي هذا الصدد أشار الشابي إلى لجنة الحوار التي ستنعقد غدا في الكونغرس حول الوضع في تونس، بالإضافة إلى جلسة ثانية حددها الاتحاد الأوروبي يوم 19 أكتوبر/ تشرين الأول للنقاش حول التطورات الأخيرة في تونس، واصفا ذلك بالضربة المؤلمة للسيادة الوطنية التونسية.
وقال الشابي: "رئيس الجمهورية قيس سعيد هو الذي فتح باب التدويل باستقباله للوفود الأجنبية والحديث معها عن المشاكل الداخلية".
وأضاف أن ما يحدث هو انتكاسة حقيقية علاجها الوحيد هو الحوار الداخلي والعودة إلى الديمقراطية وليس الانكار أو التحصن بالشعارات المغلفة بالسيادة الوطنية.
خلافات داخل العائلة الفرنكوفونية
على الجانب الآخر، يرى الدبلوماسي السابق والخبير في العلاقات الدولية، أحمد الهرقام، في تصريح لسبوتنيك، أن مسؤولية تونس في تأخير القمة هي مسؤولية تنظيمية وليست سياسية، وأن هذه المسؤولية لا تتجاوز على أقصى تقدير الخمسة بالمائة.
وقال، إن الأسباب الأخرى الأكثر احتمالا لتأجيل انعقاد القمة الفرنكوفونية ترتبط أساسا بعوامل خارجية تتمثل في الخلافات الكبيرة الحاصلة بين العائلة الفرنكوفونية في العالم والتي وصلت حد الاحتراب.
وأضاف الهرقام أن العائلة الفرنكوفونية الأفريقية التي تمثل الثقل الأساسي لكل المجموعة الفرنكوفونية هي عائلة متخالفة ومتحاربة ومشاكلها الاقتصادية ضخمة خاصة من جانب جنوب الصحراء.
وتابع: "يجب النظر إلى المسألة من زاوية ما يحدث في الساحل الأفريقي من حروب وتدخلات عسكرية خارجية وصراع بين الدول الأفريقية وفرنسا والخلاف الكبير في وجهات النظر خاصة بين مالي وفرنسا الذي خرج للعلن في المدة الأخيرة وإعلان فرنسا في أكثر من مناسبة وبطريقة ملحة أحيانا عن انسحابها من حرب الساحل الأفريقي وغضب الحكومة المالية من الموقف الفرنسي الذي بلغ درجة التنديد بسياسة فرنسا الأفريقية من طرف رئيسة مالي في الأمم المتحدة".
وأشار الهرقام إلى دور الخلاف الجزائري الفرنسي الذي وصل مؤخرا إلى حد الخروج عن المألوف الدبلوماسي في العلاقات الدولية، ناهيك عن الخلاف الجزائري المغربي الذي يؤثر أيضا على العائلة الفرنكوفونية.
وخلص الهرقام إلى أن هذه العناصر تجعل من القمة الفرنكوفونية على "كف عفريت" وتزيد من تناقض الخلافات والمواقف والمصالح الدولية، قائلا إن التركيز على مسؤولية تونس هو تركيز خاطئ جدا لأن تونس ليس لها أي مشكل مع الفرنكوفونية كفلسفة ثقافية وسياسية ودولية.
تأجيل لمصلحة تونس
بدوره، قال المحلل السياسي ماجد البرهومي لـ "سبوتنيك"، إن تأجيل القمة الفرنكوفونية ليس بالأمر الجلل ولن يضر بمصلحة تونس كما تم الترويج له، معتبرا أن هذه القمة لن تجلب امتيازات اقتصادية أو استثمارية كبرى لتونس بالنظر إلى أن غالبية العناصر الدولية المؤلفة لها هي دول أفريقية ومستعمرات سابقة لفرنسا لم ينجح جلها في تحقيق النهوض الاقتصادي.
© AFP 2021 / Souleymane Ag Anara
ولفت إلى أن الامتياز الوحيد الذي ستجنيه تونس من هذه القمة هي الدعاية الدولية من خلال إثبات قدرتها على تنظيم تجمع إقليمي كبير من الناحية الأمنية واللوجستية.
وأضاف البرهومي "سبق وأن اتخذت تونس في عهد الرئيس السابق زين العابدين بن علي قرارا بتأجيل القمة العربية في ظل الخلافات الكبرى التي كانت تسيطر على المنطقة آنذاك، ونجحت في تنظيمها في موعد لاحق".
ويرى البرهومي أن تأجيل انعقاد القمة الفرنكوفونية يصب في مصلحة تونس، بالنظر إلى حساسية الوضع الصحي والأمني، قائلا: "صحيح أن تونس صنفت منطقة خضراء بفضل التقدم الذي أحرزته في مقاومة جائحة كورونا ولكن ذلك لا يخرجها من دائرة الخطر والدليل أن جل المؤتمرات الدولية والإقليمية تنعقد بوفود قليلة أو عن بعد".
وأضاف أن: "الوضع السياسي الذي تعيشه البلاد هش، وقد يؤدي انعقاد القمة خلال الشهر القادم إلى تضخم المظاهرات والتحركات الاحتجاجية واستغلال بعض الأطراف لوجود الوفود الأجنبية من أجل الترويج لمسألة الانقلاب والضغط من الداخل للعدول عن الإجراءات الاستثنائية التي أعلن عنها رئيس الجمهورية".
ولفت البرهومي إلى إمكانية تدهور الأوضاع الأمنية في ظل الظروف الراهنة، خاصة وأن ليبيا على مرمى حجر من جزيرة جربة مكان انعقاد القمة، وهو ما قد يثير مخاوف الدول المشاركة في هذا الاجتماع الاقليمي.
ويتفق البرهومي مع الهرقام في أن تأجيل انعقاد القمة الفرنكوفونية يعود بالأساس إلى حالة التململ من الجانب الأفريقي تجاه السياسة الفرنسية في المنطقة، في علاقة خاصة بانسحاب فرنسا من مالي وترك جيشها في مواجهة التنظيمات الإرهابية والمتمردين الطوارق، وتشجيعها على الانقلاب في غينيا، بالإضافة إلى حالة الغضب التي تسود بوركينا فاسو بعد إعادة فتح قضية الرئيس توماس سانكارا.
وقال البرهومي، إن العديد من الدول ترفض المشاركة في القمة الفرنكوفونية وتعتبرها دعما لفرنسا، وتدفع في اتجاه أن يكون التمثيل الدولي للقمة ضعيفا.
ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة SputnikNews ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من SputnikNews ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.